بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الشيخ العلامة الإمام الحافظ محمد بابا اعمر البليدي (1893- 1976م)
هو الشيخ الإمام، الحافظ المجود الجامع، شيخ الإقراء والمقرئين اللامع، من حظي بالقبول التام القارئ والسامع، العالم العامل، القدوة، فقيه القراء ومسند المقرئين العلامة مقرئ أهل الجزائر، الفقيه، المحدث محمد بابا عمر بن الحاج مصطفى رحمه الله تعالى، إحدى شخصيات القرن العشرين البارزة في الميدانين الديني والمعرفي بل والأخلاقي، وان مزاياه الحميدة المتمثلة في معرفـته الواسعة للعلوم الإسلامية وتضلعه في الإفتاء وكرم شمائله وخصاله الإنسانية السامية وتواضعه المطلق سمات جعلت منه الأب الروحي والأستاذ الفكري الموجه لدى الأجيال المتعاقبة وذهبت بصيته إلى ما بعد حدود بلاد الجزائر.
مولده و طلبه للعلم:
ولد الشيخ محمد بابا عمر بن الحاج مصطفى بمدينة البليدة في الخامس من شهر أوت سنة 1893م وتابع دراسته على الطريقة التقليدية في جامع ابن سعدون بالبليدة حيث تحصل على أول إجازاته في القراءات السبع قراءة وإقراء منحها إياه العلامة المغربي خادم الحديث النبوي محمد عبد الحي الكتاني الحسني الإدريسي الفاسي وكان سنه آنذاك دون الثلاثين، فكان إماما بلا مدافعة في القراءات.
فكان الشيخ كالأترج مصداق قول النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم : مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القران مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر.
قال صلى الله عليه وسلم: [من جمع القرآن متعه الله بعقله حتى يموت].
وتلت هذه الإجازة إجازات أخرى هي :
- إجازة في جميع التصانيف العلمية المتداولة في جميع الديار والأقطار( نظم ابن عاشر، رسالة ابن أبي زيد القيرواني متن مختصر خليل، ومتن الأجرومية ، متن قطر الندى وبل الصدى صغرى الإمام السنوسي، نظم السلم في المنطق)... إلخ سلمها له السيد قدور أحمد بن الحاج العربي المفتي المالكي بمحروسة البليدة.
- إجازة في الحديث النبوي الشريف سلمها له الشيخ سيدي قدور الأمين الإمام الأول في الجامع الأعظم بالجزائر.
- إجازة منحها إياه فضيلة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور التونسي الحسني في رواية الحديث النبوي فيما ثبت له روايته من الكتب الحديثية وكتب العلوم الشرعية والأدبية.
وقد كان الشيخ يفتتح رواية البخاري بالسند المتصل كالتالي : بالسند المتصل بإجازة من شيخنا المرحوم سيدي قدور الأمين عن الأستاذ المرحوم سيدي محمد ابن أبي قندورة عن علامة الجزائر ومفتي المالكية سيدي عبد الرحمن بن الحفاف عن شيخه العلامة المحدث قاضي الجزائر ثم مفتيها المرحوم سيدي أحمد ابن الكاهية بسند مذكور رجاله مصرح بهم إلى عبد الله سيدي محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري الجعفي رضي الله عنه وعن الحميدي عبد الله بن الزبير قال حدثنا سفيان قال حدثنا يحيى ابن سعيد الأنصاري قال أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [إنما الأعمال بالنيات]... إلى آخر الحديث، وكان الشيخ محمد بابا عمر أحد المتخصصين في المتميزين في قراءات القرآن وترتيله وتجويده وكان ذلك من أسباب ذيوع صيته في العالم الإسلامي واستقطاب اهتمام مشاهير علمائه.
تدرجه في عدة مهام:
وقد عينته وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية للمشاركة عدة مرات في ملتقيات قراءات القرآن، حيث ترأس غير مرة مسابقات تجويد القرآن الكريم، كما كلفته الوزارة نفسها بتدريس القراءات القرآنية في معاهد تكوين الأئمة. وقد أطلق اسمه منذ بضع سنين على دفعة من الأئمة المتخرجين [دفعة الشيخ نحمد بابا عم] تكريما لذكراه وعرفانا بمجهوداته الجبارة ودوره الفعال في تكوين الأئمة وتوجيههم، وفضلا على كل هذا فقد كان رجل فقه قدير يرجع إليه في جميع الأحوال والمناسبات، ومن أبرز مميزاته شدة ورعه والتي دفعت به إلى أن يهب حياته لخدمة الدين الإسلامي الحنيف ونشر مبادئه في مختلف الأوسط الاجتماعية والثقافية.
وقد تدرج قيد حياته عدة مهام هي:
- تم تعيينه حزّابا بمسجد البليدة سنة 1919م
- ثم عين إماما بمسجد القبة سنة 1925م حاليا يسمى المسجد العتيق.
- عين إماما بالجامع الجديد بالجزائر العاصمة سنة 1940م
- ثم عين مفتي الديار الجزائرية في الجامع الأعظم بالجزائر العاصمة ابتداء من سنة 1941م.
بالإضافة إلى مختلف المهام التي قام بها في المساجد كان يضطلع بتدريس الحديث النبوي الشريف في معهد الدراسات الإسلامية العليا التابع للتعليم العالي الرسمي الكائن مقره آنذاك في قصر الشتاء جوار جامع كتشاوة بالجزائرالعاصمة، وتجدر الإشارة من جهة أخرى إلى أن الشيخ محمد بابا عمر كان مولعا بالموسيقى الأندلسية الجزائرية مطلعا اطلاعا واسعا على أصولها وأنواعها ومقاماتها وقد ساعدته هذه المعرفة على إتقان التجويد وإعطائه طابعا متميزا، وكان ذا صوت حسن.
نشاطه الثوري:
وفضلا على كل هذا فقد عرف الشيخ طوال حياته وخاصة أثناء حرب التحرير بنضاله الحثيث من أجل إعلاء شأن الدين الإسلامي والمحافظة على العقيدة والإيمان وبمواقفه المشرفة من هذه الثورة المباركة.
فقد فتح أبواب الجامع الأعظم على مصراعيه أمام مناضلي الثورة التحريرية كما قام بإيوائهم في مكتبه بل كان أيضا يقوم بإخفاء أسلحتهم والأدوية الموجهة إليهم فيه مما جعله محل تفتيش من قبل السلطات الفرنسية.
ونذكر في هذا السياق الرسالة المفتوحة المشرفة التي وجهها الشيخ محمد بابا عمر للسلطات الفرنسية بتوقيعه وتوقيع عدد آخر من العلماء منددا بالقمع الفرنسي في الجزائر والانتهاكات المرتكبة ضد الشعب الجزائري مبينا فيها على الخصوص بأن الحل الوحيد لإنهاء حرب الجزائر هو التفاوض مع جبهة التحرير الوطني. وقد أثار هذا التصريح الذي نشر في الجزائر وفرنسا وتونس والمغرب جدلا كبيرا في الأوسط السياسية الفرنسية والدولية وقد ورد في جويت لوموند بتاريخ 14-11-1956م.
وقل كانت معارضة الشيخ شديدة لمحاولة إدخال إصلاحات مزعومة على النصوص القانونية المتعلقة بوضعية المرأة المسلمة الجزائرية، وقد دامت أكثر من سبعة أشهر وتوجت أخيرا بتصريح أدلى به في جريدة "لوجورنل دا لجي "الصادر في 8 - 9 فبراير 1959 (أي في خضم حرب التحرير) ونشر المقال في ثلاثة أعمدة من الصفحة الأولى قال فيه إن كل محاولة إدخال أي إصلاح على قانون ?المرأة المسلمة الجزائرية تبوء بالفشل إذا كانت مخالفة لمبادئ الشريعة الإسلامية.
وقد جاء تصريحه ردا على السلطات الفرنسية التي كانت على وشك إصدار قوانين "عصرية"جديدة مستمدة من التشريع الفرنسي بشأن الأحوال الشخصية الخاصة بالأسرة الجزائرية المسلمة.
كما صرح الشيخ في أوت 1958 للجنرال ديغول الذي خصه باستقبال في قصر الإليزي بباريس بدعوة خاصة منه قائلا: [إن الحل الوحيد لإيقاف الحرب في الجزائر هو فتح مفاوضات مع ممثلي جبهة التحرير الوطني].
وفاته:
انتقل الشيخ بعد حياة حافلة بالجهاد إل جوار ربه يوم عيد الأضحى سنة 1976ودفن بمقبرة سيدي امحمد في اليوم الموالي أي الجمعة المصادف للثالث من شهر ديسمبر، رحمه الله وطيب ثراه وقدس سره وجزاه الله على ما قدم للإسلام خير الجزاء ولطف به وبنا، آمين.
للترجمة مصادرها ومراجعها
مولده و طلبه للعلم:
ولد الشيخ محمد بابا عمر بن الحاج مصطفى بمدينة البليدة في الخامس من شهر أوت سنة 1893م وتابع دراسته على الطريقة التقليدية في جامع ابن سعدون بالبليدة حيث تحصل على أول إجازاته في القراءات السبع قراءة وإقراء منحها إياه العلامة المغربي خادم الحديث النبوي محمد عبد الحي الكتاني الحسني الإدريسي الفاسي وكان سنه آنذاك دون الثلاثين، فكان إماما بلا مدافعة في القراءات.
فكان الشيخ كالأترج مصداق قول النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم : مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القران مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر.
وقارئه المرضي قرّ مثاله ***كالا ترج حاليه مريحا وموكلا
هو المرتضى أما إذا كان أمّة *** ومّيه ظلّ الرزانة قنقلا
هو المرتضى أما إذا كان أمّة *** ومّيه ظلّ الرزانة قنقلا
قال صلى الله عليه وسلم: [من جمع القرآن متعه الله بعقله حتى يموت].
وتلت هذه الإجازة إجازات أخرى هي :
- إجازة في جميع التصانيف العلمية المتداولة في جميع الديار والأقطار( نظم ابن عاشر، رسالة ابن أبي زيد القيرواني متن مختصر خليل، ومتن الأجرومية ، متن قطر الندى وبل الصدى صغرى الإمام السنوسي، نظم السلم في المنطق)... إلخ سلمها له السيد قدور أحمد بن الحاج العربي المفتي المالكي بمحروسة البليدة.
- إجازة في الحديث النبوي الشريف سلمها له الشيخ سيدي قدور الأمين الإمام الأول في الجامع الأعظم بالجزائر.
- إجازة منحها إياه فضيلة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور التونسي الحسني في رواية الحديث النبوي فيما ثبت له روايته من الكتب الحديثية وكتب العلوم الشرعية والأدبية.
وقد كان الشيخ يفتتح رواية البخاري بالسند المتصل كالتالي : بالسند المتصل بإجازة من شيخنا المرحوم سيدي قدور الأمين عن الأستاذ المرحوم سيدي محمد ابن أبي قندورة عن علامة الجزائر ومفتي المالكية سيدي عبد الرحمن بن الحفاف عن شيخه العلامة المحدث قاضي الجزائر ثم مفتيها المرحوم سيدي أحمد ابن الكاهية بسند مذكور رجاله مصرح بهم إلى عبد الله سيدي محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري الجعفي رضي الله عنه وعن الحميدي عبد الله بن الزبير قال حدثنا سفيان قال حدثنا يحيى ابن سعيد الأنصاري قال أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [إنما الأعمال بالنيات]... إلى آخر الحديث، وكان الشيخ محمد بابا عمر أحد المتخصصين في المتميزين في قراءات القرآن وترتيله وتجويده وكان ذلك من أسباب ذيوع صيته في العالم الإسلامي واستقطاب اهتمام مشاهير علمائه.
تدرجه في عدة مهام:
وقد عينته وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية للمشاركة عدة مرات في ملتقيات قراءات القرآن، حيث ترأس غير مرة مسابقات تجويد القرآن الكريم، كما كلفته الوزارة نفسها بتدريس القراءات القرآنية في معاهد تكوين الأئمة. وقد أطلق اسمه منذ بضع سنين على دفعة من الأئمة المتخرجين [دفعة الشيخ نحمد بابا عم] تكريما لذكراه وعرفانا بمجهوداته الجبارة ودوره الفعال في تكوين الأئمة وتوجيههم، وفضلا على كل هذا فقد كان رجل فقه قدير يرجع إليه في جميع الأحوال والمناسبات، ومن أبرز مميزاته شدة ورعه والتي دفعت به إلى أن يهب حياته لخدمة الدين الإسلامي الحنيف ونشر مبادئه في مختلف الأوسط الاجتماعية والثقافية.
وقد تدرج قيد حياته عدة مهام هي:
- تم تعيينه حزّابا بمسجد البليدة سنة 1919م
- ثم عين إماما بمسجد القبة سنة 1925م حاليا يسمى المسجد العتيق.
- عين إماما بالجامع الجديد بالجزائر العاصمة سنة 1940م
- ثم عين مفتي الديار الجزائرية في الجامع الأعظم بالجزائر العاصمة ابتداء من سنة 1941م.
بالإضافة إلى مختلف المهام التي قام بها في المساجد كان يضطلع بتدريس الحديث النبوي الشريف في معهد الدراسات الإسلامية العليا التابع للتعليم العالي الرسمي الكائن مقره آنذاك في قصر الشتاء جوار جامع كتشاوة بالجزائرالعاصمة، وتجدر الإشارة من جهة أخرى إلى أن الشيخ محمد بابا عمر كان مولعا بالموسيقى الأندلسية الجزائرية مطلعا اطلاعا واسعا على أصولها وأنواعها ومقاماتها وقد ساعدته هذه المعرفة على إتقان التجويد وإعطائه طابعا متميزا، وكان ذا صوت حسن.
نشاطه الثوري:
وفضلا على كل هذا فقد عرف الشيخ طوال حياته وخاصة أثناء حرب التحرير بنضاله الحثيث من أجل إعلاء شأن الدين الإسلامي والمحافظة على العقيدة والإيمان وبمواقفه المشرفة من هذه الثورة المباركة.
فقد فتح أبواب الجامع الأعظم على مصراعيه أمام مناضلي الثورة التحريرية كما قام بإيوائهم في مكتبه بل كان أيضا يقوم بإخفاء أسلحتهم والأدوية الموجهة إليهم فيه مما جعله محل تفتيش من قبل السلطات الفرنسية.
ونذكر في هذا السياق الرسالة المفتوحة المشرفة التي وجهها الشيخ محمد بابا عمر للسلطات الفرنسية بتوقيعه وتوقيع عدد آخر من العلماء منددا بالقمع الفرنسي في الجزائر والانتهاكات المرتكبة ضد الشعب الجزائري مبينا فيها على الخصوص بأن الحل الوحيد لإنهاء حرب الجزائر هو التفاوض مع جبهة التحرير الوطني. وقد أثار هذا التصريح الذي نشر في الجزائر وفرنسا وتونس والمغرب جدلا كبيرا في الأوسط السياسية الفرنسية والدولية وقد ورد في جويت لوموند بتاريخ 14-11-1956م.
وقل كانت معارضة الشيخ شديدة لمحاولة إدخال إصلاحات مزعومة على النصوص القانونية المتعلقة بوضعية المرأة المسلمة الجزائرية، وقد دامت أكثر من سبعة أشهر وتوجت أخيرا بتصريح أدلى به في جريدة "لوجورنل دا لجي "الصادر في 8 - 9 فبراير 1959 (أي في خضم حرب التحرير) ونشر المقال في ثلاثة أعمدة من الصفحة الأولى قال فيه إن كل محاولة إدخال أي إصلاح على قانون ?المرأة المسلمة الجزائرية تبوء بالفشل إذا كانت مخالفة لمبادئ الشريعة الإسلامية.
وقد جاء تصريحه ردا على السلطات الفرنسية التي كانت على وشك إصدار قوانين "عصرية"جديدة مستمدة من التشريع الفرنسي بشأن الأحوال الشخصية الخاصة بالأسرة الجزائرية المسلمة.
كما صرح الشيخ في أوت 1958 للجنرال ديغول الذي خصه باستقبال في قصر الإليزي بباريس بدعوة خاصة منه قائلا: [إن الحل الوحيد لإيقاف الحرب في الجزائر هو فتح مفاوضات مع ممثلي جبهة التحرير الوطني].
وفاته:
انتقل الشيخ بعد حياة حافلة بالجهاد إل جوار ربه يوم عيد الأضحى سنة 1976ودفن بمقبرة سيدي امحمد في اليوم الموالي أي الجمعة المصادف للثالث من شهر ديسمبر، رحمه الله وطيب ثراه وقدس سره وجزاه الله على ما قدم للإسلام خير الجزاء ولطف به وبنا، آمين.
للترجمة مصادرها ومراجعها