بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
- كتاب: القبائل الأمازيغية أدوارها مواطنها أعيانها - جزأين.
- تأليف: أ.د/ بوزياني الدراجي.
-دار النشر: دار الكتاب العربي، القبة- الجزائر.
- عدد الأجزاء: 2تم دمجهما لتسلسل الترقيم.
- تاريخ الإصدار: 2007.
- حالة النسخة: منسقة ومفهرسة.
صفحة التحميل
حول الكتاب:
القبائل الأمازيغية أدوارها مواطنها أعيانها، كتاب رائع وبحث جميل من تأليف الباحث الجزائري الأستاذ الدكتور بوزياني الدراجي حول أنساب القبائل الأمازيغية ومشاهير أعلامهم وعلمائهم الكبار خاصة في العهد الإسلامي، والكاتب يرى في أن بحثه يدخل ضمـن سلسلـة مـن الأعمـال الـتي تعالـج موضـوع العصبيـة القبليـة في المغـرب الإسـلامي.
ويعد هذا الكتاب القيم أهم ما نشر في موضوع الحقبة الأمازيغية منذ الثلاثينيات من القرن الماضي الذي عرف ظهور كتابين تاريخيين هامين تحدثا بشيء من الإسهاب عن تاريخ أجدادنا الأمازيغ هما: كتاب "تاريخ الجزائر في القديم والحديث"للأستاذ المصلح مبارك بن محمد الميلي، و"كتاب الجزائر"للأستاذ المؤرخ أحمد توفيق المدني، رحمهما الله.
ولعل أخطر ما نجم عن تفريغ الشحنة السياسية على تاريخنا هو التنكر لجزء هام لماضينا أدى إلى زرع الأحقاد والضغائن بين أبناء الوطن، ولاشك أن هذه الرؤية الثاقبة ناجمة عن كون المؤلف مثقفا يعي أهمية التاريخ في استقرار أوضاع الأمة وتوازن المجتمع، ونستشف ذلك القلق الذي صار كابوسا على وعيه من مقدمة الكتاب التي جاء فيها قوله [ويعتبر موضوع القبائل الأمازيغية من المتطلبات الملحة والهامة، التي كان من الواجب العمل على معالجته في وقت سابق، غير أن ذلك لم يتحقق لأسباب عديدة نتركها للمهتمين بها].
ومهما يكن من أمر فإن الأستاذ المؤلفلم يدخر أي جهد لنفض غبار التنكر عن "القبائل الأمازيغية"ومواطنها وأعيانها وأدوارها السياسية والعسكرية والثقافية، وبالنظر إلى أهمية الموضوع وتشعب محاوره فقد استلزم مراجعة ومطالعة جل المصادر والمراجع التاريخية المختلفة من يونانية ورومانية وعربية وفرنسية، فضلا عن دراسة آثار الإنسان باعتبارها مصادر مادية مكملة للمصادر الكتابية، هذا وقد لاحظ المؤلف أن المصادر اليونانية والرومانية قد ميزتها الضحالة لكون المؤرخين كتبوا وهم بعيدون عن مسرح الأحداث، أما المصادر الفرنسية فرغم وفرة مادتها التاريخية فقد كتبت بمسحة سياسية استعمارية كانت تصب في خدمة مشروع فرنسة المجتمع الجزائري ومن أهم مؤلفيها: أ.ف. غوتيي / ليفي بروفنسال / أندري باصي / روني باصي / شارل أندري جوليان / جورج مارسي وغيرهم.
ومما يبرز كفاءة الكاتبالعلمية التي جعلت قلمه هادئا، أنه يستعرض مختلف الآراء التي قيلت في الحدث التاريخي دون أن يتحيز لقول أو يقصى قولا آخر، وتجلى لنا ذلك في استعماله لعبارات (إن صحت هذه الرؤية / ربما / وثمة من يرى / ويبدو / قال بعضهم / لو أن الدارسين اختاروا الموضوعية...) واضعا جميع الآراء على محك النقد، وعند إبداء رأيه الخاص فإنه يكون مدعوما بما يراه حجة علمية تجعل القارئ يحترمه ويطمئن إلى ما يكتبه، بغض النظر عن التوافق أو الاختلاف مع ما يقدمه من آراء وهكذا فعندما تعرض بالذكر لتسمية الأمازيغ ذكر التسميات المختلفة من "لوبي"المشاعة عند اليونان و"إفري"المعروفة عند الفينيقيين، و"بربر"المستعملة عند الرومان، وذكر المؤلف احتمال اشتقاق هذه التسمية الأخيرة من الكلمة اليونانية VARVAROSالتي تعني الرطانة واللغط، وقد أطلقها اليونان على الرومان الذين أطلقوها بدورهم على الشعوب الخارجة عن حضارتهم في أسيا الغربية (الصغرى) وشمال أفريقيا، أما كلمة "الأمازيغ"فيرى أنها قديمة لكن العرب الفاتحين فضلوا استعمال كلمة "البربر"عند قدومهم إلى شمال إفريقيا لرواجها منذ عهد الاحتلال الروماني.
ثم استعرض الكاتب الروايات المختلفة حول نسب الأمازيغ التي تنسبهم إلى اليمن والشام، ذاكرا رواية أصل "بر بن قيس عيلان بن مضر بن نزار"، ورواية انحدارهم عن أبناء الملك "النعمان بن حمير بن سبأ"، ورواية انتسابهم إلى ملك التبابعة المسمى "إفريقش بن قيس بن صيفي"الذي سميت إفريقيا باسمه، كما ذكر رواية أخرى تنسبهم إلى ملك اليمن "أبرهة ذي المنار"وأخرى تنسبهم إلى "يقشان بن إبراهيم الخليل"، وأخرى لا تستبعد تفرهم عن الغساسنة أو أنهم من لخم وجذام.
هذا وقد رفض المؤلف هذه الروايات لسببين هامين على الأقل: غياب الدليل العلمي، وتعارضها مع المنطق، مدعما رأيه بموقف ابن خلدون الذي فند جميع هذه الروايات معتبرا إياها "قولا ساقطا"و "أحاديث خرافة"، وأيد رأي ابن حزم في قوله"ولا كان لحمير طريق إلى بلاد البربر، إلا في تكذيب مؤرخي اليمن"، هذا ولم يهمل المؤلف ما تميز به موقف ابن خلدون من خلط وتناقض قائلا (ومن علامات تناقض بن خلدون وبلبلته أنه من جهة يجزم بانتساب البربر إلـــى كنعــان بن حـام وإلى العمالقة، ومن جهة أخرى يصرح في موضع آخر بإنكاره لهذا الطرح).
وفي الأخير أبدى المؤلف رأيه في أصل الأمازيغ، ولئن أقر قدوم هجرات بشرية مشرقية، فقد رجح عراقة وقدم الإنسان في شمال إفريقيا التي أكدتها الدراسات الأثرية ( إنسان الأطلس الذي عاش فيها منذ 400ألف سنة) ليخلص إلى القول الفصل – في رأيه – (أن سكان البلاد المغربية مشكلون من مزيج بشري تكون عبر قرون عديدة، ومن سلالات مختلفة وأجناس متباينة، انتقل أسلافهم إلى هذه الديار ضمن موجات بشرية عديدة)
ومهما يكن من أمر فإن الأستاذ بوزياني الدراجي قد نفض الغبار عن جهود الأمازيغ في إثراء الحضارة الإسلاميةأسوة بإخواننا في المشرق، وإذا كان لكل مؤلف كتاب يرفع ذكره في سجل الخلود ويصنع له عمر ثان لا يفنى، فإن كتاب "القبائل الأمازيغية"– في نظري – مرشح لهذه المهمة الحضارية.