بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
- كتاب: منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية.
- تأليف: الشيخ العلامة سيدي عبد الكريم الفكون بن محمد بن عبد الكريم القسنطيني.
- تحقيق: د/ أبو القاسم سعد الله - حفظه الله -.
- الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت - لبنان.
- رقم الطبعة: ط1.
-تاريخ الإصدار: 1408هـ -1987م.
-عدد الصفحات: 277.
-حالة النسخة: منسقة ومفهرسة.
رابط التحميل
حول الكتاب ومصنفه:
الشيخ الفقيه المشارك العلامة الفهامة سيدي محمد بن العلامة الفهامة الناسك الخاشع الجامع بين علمي الظاهر والباطن سيدي عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الفكون المولود حوالي 988هـ 1580م بمدينة قسنطينة في عائلة أصيلة وراسخة في العلم والدين لقب بشيخ الإسلام وتقلد إمارة ركب الحج وهو تقليد عائلي في عائلة الفكون حيث بقيت إمارة الحج في أيدي العائلة لقرون عديدة، كان آخر من تولاها محمد بن عبد الكريم بن بدر الدين الذي أدركه الاحتلال الفرنسي وهو في الثمانين من العمر وتوفي عام 1256 للهجرة، ولنفهم ما إمارة الحج نقرأ للمؤرخ الجزائري المهدي البوعبدلي: فكان يذهب إلى الديار المقدسة سنويا وكانت خطة إمارة ركب الحج لا تسند إّلا لأمثل عالم تراعى فيه عدة مقاييس أهمها التبحر في العلم والاستقامة إذ هو الممثل لبلاده ولنخبة علمائها حيث يجتمع بجل علماء الأقطار الإسلامية ويتبادل معهم الإجازات والتآليف ويشارك في المناظرات العلمية التي كانت تقد لحل المشاكل العويصة فكانت مهمة أمير الركب في رحلته الإفادة والاستفادة.
وعن ابن عبد الكريم الفكون يقول تلميذه عيسى الثعالبي في كتابه كنز الرواة "علامة الزمان ورئيس علوم اللسان وفخر المنابر إذا خطب ولسان المحابر إذا شعر أو كتب"، ويقول عنه أبو سالم العياشي في رحلته ماء الموائد "العلامة الفهامة الناسك الجامع بين علمي الظاهر والباطن، ولما تقدم في السن انقبض عن الناس وترك الاشتغال بالعلوم إلى أن توفي بالطاعون عام 1662 وهو في نحو 85سنة"، ومن أهم مؤلفاته منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولايةالذي يعتبر وثيقة علمية وتاريخية نادرة تؤرخ لمدينة قسنطينة زمن الانقسام وهيمنة الهرطقة والخرافة، كما أنها تحوي تراجم لا يقصد بها المؤلف التعريف بمناقب المترجم لهم بقدر ما يقصد كشف النقاب عن أدعياء العلم والتصوف في وقته، وقد صدر كتاب منشور الهداية عام 1987م بتحقيق الدكتور أبو القاسم سعد الله.
يصف الباحث الجزائري المهدي البوعبدلي طريقة عبد الكريم الفكون في تراجمه بكتاب منشور الهدايةبالقول " وقد تتبع المترجمين سواء الممدوحين أو المقدوحين بصراحة وتفصيل لم يتعودها المؤلفون في تراجم القدامى منهم أو المتأخرون فهو يذكر المترجم باسمه ولقبه وأطوار حياته من لدن نشأته ويجسم المحاسن أو المساوئ وأكثر من حمل عليهم هم ممن تربطهم بهم صلة القرابة أو التلمذة، كما أن جلهم من أعيان بيوتات قسنطينة.
وفي كتابه فتح المولى يذكر عبد الكريم الفكون أن كتاب منشور الهدايةجلب عليه نقمة البعض ورمقته العيون بالبغض من أجله، خاصة وأن جل الأدعياء كانوا وقتئذ من أرباب المناصب والمنابر مثل ما هو الحال في كل الأزمنة.
ويثبت عبد الكريم الفكون بخلفيته التنويرية أن السبب الذي حمله على كشف الزيف والزور والذود عن حِمى الشريعة والدفاع عن أهلها بالقول "... فلما رأيت الزمان بأهله قد تعثر وسفائن النجاة من أمواج البدع تتكسر وسحائب الجهل قد أظلت وأسواق العلم قد تكسرت فصار الجاهل رئيسا والعالم في منزلة يُدعى من أجلها خسيسا، وصاحب أهل الطريقة قد أصبح وأعلام الزندقة على رأسه لائحة وروائح السلب والطرد من المولى عليه فائحة إلا أنهم أعني الطائفتين تمسكوا من دنياهم بمناصب شرعية وحالات كانت قدما للسادة الصوفية، فموهوا على العامة...
كل ذلك والقلب مني يتقطع غيرة على حزب الله العلماء أن ينسب جماعة الجهلة المعاندين الضالين المضلين لهم أو يذكروا في معرضهم وغيرة على السادة الأولياء الصوفيةأن تكون أراذل العامة أنذال الحمقى المغرورين أن يتسموا بأسماء أن يظن بهم اللحوق بآثارهم، ولم آل في التنفير من كلتا الطائفتين والتحذير منهم في كل زمان وأوان وبين كل صالح من الإخوان إلى أن أحسست لسان القول قد انطلق بنسبة ما لا يليق ذكره من أفواههم، فسرح الله صدري في أن أعتكف على تقييد يبدي عوارهم ويفضح أسرارهم ويكون وسيلة إلى الله في الدنيا والأخرى"...
وقد قسم كتابه هذا إلى ثلاثة فصول وخاتمة:
الفصل الأول: في من لقيناه من العلماء والصُلحاء المقتدى بهم ومن قَبْل زمنهم ممن نقلت إلينا أحوالهم وصفاتهم تواترا، أردنا التنبيه عليهم وذكر ما كانوا عليه، وزمانهم، وتواريخ وفاتهم.
الفصل الثاني: في المتشبهين بالعلماء، وهم الذين قصدنا بهذا التقييد إيضاح أحوالهم.
الفصل الثالث: في المبتدعة الدجاجلة الكذابين على طريق الصوفية المرضية.
والخاتمة: في إخوان العصر وما هم عليه.
وخص المؤلف الطائفتين أدعياء العلم وأدعياء التصوف بفصلين التصنيف الثاني بأدعياء العلم المتفيقهين والتصنيف الثالث عن أهل الهرطقة والإدعاء المستترين تحت راية التصوف، وهو منهم براء، ومهاجمة الفكون للطرق الصوفية كانت موجهة فقط لغلاة هذا المذهب من المتلبسين بلبوس السادة الصوفية رضوان الله عليهم، لأنه كان هو شخصيا من المتصوفة شاذليا زروقيا، وهو لا يخفي ذلك أو ينكره بل يعلنه غاية الصراحة، وكان يسر على مقتضى تعاليم الطريقة الشاذلية والطريقة الزروقية في آرائه وسلوكه.
فقد كان رضي الله لا ينكر التصوف، ولكن يرى أن أهل عصره انحدروا به إلى الدرك الأسفل وأساءوا فهمه، وحولوه إلى (حضرة) فيها الرقص والموسيقى وغيرها من البدع والمنكرات، كما استغلوه في سلب العامة أموالها وتخدير عقولها وتعطيل الأعمال التي أمر الله بها، ومن ثمة الوهن الذي أصاب المسلمين، ولذلك كان يكثر من الاستشهاد من آثار المتصوفة الأقدمينكالبسطامي والطرطوشي وإبراهيم الشاطبي والغزالي ومحمد بن الحاج وإبراهيم بن أدهم، بالإضافة على الأخضري وزروق والوزان، فثورة الفكون إذن ليست على التصوف في حد ذاته ولكن على سوء فهمه واستغلاله، وليست على المتصوفة عموما ولكن على الدجالين المشعوذين أو ((أدعياء الولاية)) كما يسميهم، أولئك الذين اتخذوا من النساء والرجال، ونصبوا أنفسهم لإعطاء العهد وتلقين الأوراد، وكانوا يخالطون الظلمة والمفسدين...
والخلاصة أن العلامة الفكون رضي الله عنه عاش حياته على مرحلتين، المرحلة الأولى وهي الأطول والأثمر كرسها للعلم تلقيا وتدريسا وتأليفا وكان أحب العلوم إليه علم النحو وما يتصل به من صرف وبلاغة ولغة ولم يتخلى خلال هذه المرحلة من حياته أبدا عن مبادئ الطريقة الزروقية التي تعلم العلم والعمل وتزكي الصلاح وتنفي البدع والخرافات وتحض على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أما المرحلة الثانية من حياته فقد قضاها في القيام بوظائف الجامع الكبير (الأعظم) من إمامة وخطابة وفتوى، كما كان يتردد على الحرمين الشريفين أميرا لركب حج الجزائر باعتباره شيخا للإسلام أو الشخصية الدينية الأولى في البلاد.
وبعد فما أجمل كلام الفكون نفسه وهو يفرق بين المتصوف الحقيقي والمتصوف الدجال إذ يقول (( والميزان الاعدل في ذلك أن تنظر على المرء وما هو عليه من الطريق القويم والصراط المستقيم في اتباع السنة قولا وفعلا فما كان هو ممن يجب الإعتقاد فيه وما لا فلا)) ولا يهم بعد ذلك إذ درس كل أو بعضها.
مؤلفاته:
له شرح على البسط والتعريف في علم التصريف للمكودي فرغ من تأليفه سنة 1047هـ، وهو مجلد أجاد فيه غاية الإجادة وأحسن كل الإحسان وأعطى النقل والبحث فيه حقهما ولم يمهل شيئا مما يقتضيه لفظ المشروح ومعناه إلا تكلم عليه وأجاد كما هو شأنه وأول خطبته: الحمد الله الذي أجرى تصاريف المقادير بواسطة أمثلة الأفعال وأوضح البيان افتقارها إليه بتغيير حالاتها من حركة وصحة وإعلال و نوع و إشكال وعين وجودها إلى ضم الانظام إليه وكسر الانكسار لديه وفتح الانفتاح في مشاهدة العظمة والجلال اهـ.، وشرح على شواهد الشريف على الأجرومية ومحدد السنان في نحور اخوان الدخان وهي كراريس اشتملت على أدلة عقلية ونقلية على الجزم بتحريمه، وديوان في مدح النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم مرتب على حروف المعجم منها قوله:
أيا باهر الإشراق يا غاية المنى *** ومن حاز في تشريفه الرتبة العليا
أزحت ظلام الشرك بالطلعة التي *** اضاءت كما أوليت من نورها هديا
هداك صراط مستقيم من اقتفى *** مراشده استهدى وقد جانب الغيا
به فاز من فاز يا خير مرشد *** لذا ورث الفردوس إذ ورث الوحيا.
وله أيضا شرح جمل المجراد ومخارج الحروف من الشاطبية وتأليف في حوادث فقراء الوقت ولعله كتابنا اليوم المسمى (منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية) وقال العياشي في ماء الموائد ''ومن مروياته مستوفاة في فهرسة شيخنا أبي مهدي عيسى الثعالبي.
للترجمة مصادرها ومراجعها.